الإقالات التعسفية من الوظائف الحاصلة حالياً في سوريا

مقال للصحفية السورية عبير ناعسة تم نشره في الصحافة التركية، عن الإقالات التعسفية من الوظائف الحاصلة حالياً في سوريا:
ننشر الترجمة هنا:
ذهبت لينا حريب (اسم مستعار)، المهندسة البحرية، إلى موقع عملها في ميناء اللاذقية كالمعتاد، لكن وعند انتهاء الدوام أخبروها مع 500 موظف آخر أن “لا تأتوا بعد الآن”.
“بدأت رحلة المجهول” تقول لينا، وتستنكر: “أين يمكن لمهندسة بحرية أن تجدعملا خارج الميناء!” راتبها كان مصدر دخلها الوحيد وهي الأم لطفلتين، أما الآن لم يعد هناك أي دخل للعائلة.
قرارات بدون ختم أو توقيع
إجراءات التسريح في القطاع العام في سوريا مستمرة منذ أسابيع. يُقال إن عدد الموظفين المفصولين قد تجاوز ثلاثمئة ألف. وكانت إدارة المرحلة الانتقالية أكدت وجود أكثر من أربعمائة ألف موظف وهمي في الدوائر الحكومية. وأضافت أن تسريحهم سيوفر الكثير على موارد الدولة. لكن خبراء يعتقدون أن الهدف الحقيقي هو خصخصة القطاع العام. ويذكّرون أن قرارات كهذه هي ليست أصلا من صلاحيات الحكومة الحالية. ويؤكدون أن قرارات التسريح ستعمّق مشكلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن.
في ميناء اللاذقية صرف خلال الأسبوع الماضي فقط أكثر من ألف موظف بين تسريح وإجازات قسرية. تم إبلاغهم بالقرارات شفهيا أو بأحسن الأحوال من خلال قوائم لا ختم فيها ولا توقيع. نصح الخبراء الموظفين بالذهاب إلى عملهم لأن القرارات بهذا الشكل ليست قانونية. وفعلا ذهب الموظفون صباح اليوم التالي ليجدوا أبواب الميناء مغلقة في وجوههم ومنعوا من الدخول إلى مكاتبهم.
كما الجميع، المهندسة لينا أيضا في حيرة من أمرها، فهي إن ذهبت إلى عملها تجد الأبواب مغلقة، وإن لم تذهب ستعتبر قانونا بحكم المفصولة بعد خمسة عشر يوم من الغياب. “هذا ليس عدلا! إنها سياسة الأمر الواقع” تقول لينا. وتضيف أن الطالب في سوريا يدرس الهندسة كي يوظَّف، لأن الدولة ملزمة قانونا بتوظيف خريجي الهندسة. “قضيت سنوات في دراسة الجامعة، وخلال تسع سنوات عمل في الميناء داومت دون انقطاع بل حتى إجازاتي لم أستخدمها! جهد سنيني يسلب مني بقرار شفهي! وليس لدي أية حلول أو خيارات!”
لا يوجد فائض في الميناء بل هناك نقص
م. سعيد هو أيضا من بين المفصولين وكان مديرا في الميناء. يشير سعيد إلى حالة الركود في الميناء خلال السنوات الماضية بسبب العقوبات الاقتصادية، ويضيف: “شهدنا انخفاضا كبيرا في عدد السفن والبضائع القادمة بسبب العقوبات، ولكن هذا ليس ذنب العمال!”
يتابع سعيد: “نعم هناك فائض عمال في بعض المواقع ولكن هناك نقص في موقع أخرى. حاليا تم إبرام عقود مع عمال جدد بأجور مرتفعة وتم تعيينهم مكان العمال الذين منحوا إجازة قسرية، فكيف يكون هناك عمالة زائدة؟!”
ويضيف: “العمل البحري يحتاج إلى خبرة طويلة تتولد من تراكم الخبرات خلال سنوات طويلة من العمل، وفي حال عودة العمل في المرفأ إلى المستويات القديمة قبل الحصار الاقتصادي فسوف نحتاج إلى أضعاف العدد الحالي من العمال!”
كانوا ينتظرون زيادة الرواتب ففوجئوا بقرارات التسريح:
يوجد بين المتضررين من القرارات من تجاوزت سنوات خدمته الخمسة وعشرين عاما. يقول أحدهم “أنا في إجازة قسرية لثلاثة أشهر ولا أعرف ما مصيري بعدها، الكل يقول أنه سيتم تسريحنا بعد ذلك. والجهات المعنية لم تقدم أي توضيح لنا حول الموضوع. كان الحديث عن زيادة الرواتب وكنا متفائلين جدا فنحن نعمل بأبخس الرواتب لسنوات، صبرنا لأن ليس لدينا خيار آخر، ولكن بينما ننتظر الزيادة فوجئنا بهذه القرارات” ويضيف: “أنا لست وهميا! أعمل في المرفأ منذ عشرين عاما، وهناك من لديه خمسة وعشرين سنة خدمة وأكثر! هؤلاء ماذا سيفعلون؟ إلى أين سيذهبون؟”
ويخبرنا أنهم فكروا في البداية برفع دعاوى قضائية لكنهم تراجعوا لاحقا. يقول “جميع القضايا يتم البت النهائي فيها في محكمة إدلب. ما يعني أننا سنضطر للسفر من اللاذقية إلى إدلب لمتابعة الدعوى. البلد في حالة فوضى ونخاف أن نتعرض لأية اعتداءات أو انتهاكات في حال ذهبنا إلى هناك، لهذا السبب تراجعنا عن فكرة الدعوى”
وكان وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال محمد أبازيد أعلن أنه سيتم زيادة رواتب الموظفين بنسبة 400% في بداية شباط. وأكد أبازيد في تصريح لوكالة رويترز أن تسريح من سماهم “الموظفين الوهميين” سينعكس إيجابا على رواتب الموظفين الفعليين. لكن لا يوجد أية توضيحات حول المعايير التي يتم تحديد “الموظفين الوهميين” على أساسها. كما أن عمليات التسريح تتم إما شفهيا أو من خلال قوائم بدون ختم أو توقيع.
احتجاجات لإلغاء القرارات
تقوم “تنسيقيات عمال التغيير الديمقراطي” بتنظيم اعتصامات أسبوعية في عدة مدن مثل دمشق وحلب واللاذقية. ويرفعون شعار “استمرار حتى إلغاء القرار”. ووفق أحد مسؤولي التنسيقيات تم تنظيم الاحتجاج الثاني يوم الأحد الفائت (23 شباط)، وستستمر الاحتجاجات بشكل أسبوعي. يقول مسؤول التنسيقيات أن مطلبهم الأساسي هو إلغاء كافة قرارات التسريح والإجازات القسرية. ويضيف أن مطلب القضاء على الفساد في القطاع الحكومي هو مطلبهم أيضا. لكن ذلك يجب أن يتم برأيهم من خلال هيئة مختصة تقوم بالتحقيق في واقع الفساد وتتخذ القرارات اللازمة ضمن الإطار القانوني، وبوجود ممثلين عن العمال خلال كل تلك العملية.
ويعتقد مسؤول التنسيقيات أن الهدف الأساسي من إجراءات التسريح هو خصخصة القطاع العام. يقول: “المسؤولون في الحكومة الحالية صرحوا في أكثر من مناسبة أنهم يتجهون إلى الخصخصة. ونعلم أن العمال هم دائما العائق الأكبر أمام أي عملية خصخصة”. ويضيف: “موظفو القطاع الحكومي في سوريا يعيشون ظروفا حياتية غاية في الصعوبة، العامل السوري يعاني الجوع والبرد والقلة، وليس لديه القدرة على تحمل قرارات كهذه، لذلك أعتقد أن هذه الاحتجاجات سوف تزيد مع الوقت”.
يقول مسؤول التنسيقيات أن أكثر من مائة ألف موظف تضرروا من إجراءات التسريح. وذكرت وكالة سبوتنيك للأنباء أن عدد المسرحين تجاوز الثلاثمائة ألف وعدد الممنوحين إجازة قسرية قارب ال250 ألف موظف. في حين لا يوجد أي تصريح رسمي بشأن هذه الأعداد.
وكان وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان أعلن عن خصخصة 107 شركة حكومية دون الكشف عن أسمائها. وتحدث عبد الحنان في تصريحات لوكالة رويترز عن نهج “العلاج بالصدمة” في الاقتصاد. وأكد توجه الحكومة الحالية نحو “اقتصاد سوق حر تنافسي” من خلال تقليص حجم القطاع العام.
من ناحية أخرى، قالت الخبيرة في منظمة العمل الدولية مها قطاع إن الاقتصاد السوري الحالي غير قادر على خلق فرص عمل كافية في القطاع الخاص. وأكدت قطاع أن إعادة هيكلة القطاع العام لا يجب أن تكون أولوية في هذه المرحلة ولو أنها خطوة ضرورية.
وأوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور محمد الغريب أن الخصخصة سلاح ذو حدين. وأكد في مقابلة مع “عنب بلدي” أن الخصخصة تحتاج إلى دراسة دقيقة ومتأنية والنظر إلى تجارب الدول الأخرى. محذرا من أن التسرع قد يؤدي إلى الفساد وإلى التدخل الخارجي. كما أشار الغريب إلى أن مثل هذه القرارات الاستراتيجية هي ليست من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال الحالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *